الشك واليقين القضائي
حيث أن الاصل أن البراءة قيدت الاقتناع الجنائي باليقين التام وهو يعد الوجه الاول لأثر البراءة في الاقتناع الذاتي للقاضي ، فإن الشك هو الوجه الثاني لهذا الاثر .
ويعرف في الفقه الجنائي بقاعدة ” تفسير الشك لمصلحة المتهم ” وعليه فإن أساس الدعوى الجنائية تستهدف تحويل الشبهة ” والتي تعد أساسا لدفع الدعوى الجنائية إلى قضاء الحكم ” إلى درجة اليقين القضائي ، والتي تسمح بدورها إصدار الحكم بالإدانة ، فإذا عجز الإدعاء العام عن إقامة الدليل على وقوع الجريمة بعناصرها كافة وأركانها ونسبتها إلى المتهم فإن ذلك يوجب على القاضي الحكم بالبراءة إذ أن الشك الذي لا تستطيع سلطة الاتهام ان تبدده ، يعد بالنسبة للمتهم دليلا ايجابيا على عدم مسئوليته وبالتالي القضاء ببراءته .
وتفسير ذلك يكمن في أن عدم قدرة أدلة الإدانة على أحداث القطع او اليقين يترتب عليه استمرار حالة البراءة ” الثابتة يقينا على وفق أصل البراءة ” والتي يكفي لتأكيد وجودها حينئذ مجرد الشك في ثبوت تلك الإدانة إستنادا إلى ان البراءة أصل عام في المتهم مسلم بوجوده إبتداءا ، فإذا كان الاصل في الانسان البراءة فإنه يجب لإدانته أن يقوم الدليل القاطع على إرتكاب الجريمة بحيث يقتنع القاضي اقتناعا يقينيا بارتكابها وبنسبتها للمتهم فإذا ثار شك لدى القاضي في صحة أدلة الإثبات وجب أن يميل إلى جانبالاصل وهو البراءة أي أن الشك يجب أن يفسر لمصلحة المتهم .
فالاصل أنه لا يتمكن القاضي الجنائي في أن يصيب الحقيقة في إصدار الحكم الجنائي سواء أكان بالادانة أم بالبراءة إذا لم يتوافر لديه اليقين ، فاليقين القضائي بالادانة هو الانطباع الاكيد الذي يتولد لدى القاضي الجنائي محدثا عنده إذعانا حادا وتسليم قويا بنشوء حق الدولة في معاقبة المتهم إذعانا وتسليما قائمين على أدلة من شأنها أن تؤدي الى ما رتب عليها من نتائج وفقا لمقتضيات العقل والمنطق وأن الجزم واليقين في الاحكام الجنائية لايقصد به جزم ويقين مطلقين فالحقيقة القضائية في المواد الجنائية هي حقيقة نسبية ، فالحقيقة هي اساس كل الاحكام الجنائية وغاية كل إجراءات الدعوى لكن لا قيمة للحقيقة التي يتم الوصول إليها على مذابح الحرية ، وإذا كانت الحقيقة في ذاتها مطلقة فإن إكتشافها شيء نسبي نظرا لعدم إكتمال الوسائل الإنسانية للمعرفة .